فصل: من الإعجاز العلمي في القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فهناك تتبين له الحظوظ من الحقوق ويفر من الحظ إلى التجريد وأكثر الناس لا يصلح لهم هذا لأنهم إنما يعبدون الله على الحظوظ وعلى مرادهم منه وأما تجريد عبادته على مراده من عبده:
فتلك منزلة لم يعطها أحد ** سوى نبي وصديق من البشر

والزهد زهدك فيها ليس زهدك في ** ما قد أبيح لنا في محكم السور

والصدق صدقك في تجريدها وكذا ** الإخلاص تخليصها إن كنت ذا بصر

كذا توكل أرباب البصائر في ** تجريد أعمالهم من ذلك الكدر

كذاك توبتهم منها فهم أبدا ** في توبة أو يصيروا داخل الحفر

وبالجملة فصاحب هذا التجريد: لا يقنع من الله بأمر يسكن إليه دون الله ولا يفرح بما حصل له دون الله ولا يأسى على ما فاته سوى الله ولا يستغني برتبة شريفة وإن عظمت عنده أو عند الناس فلا يستغني إلا بالله ولا يفتقر إلا إلى الله ولا يفرح إلا بموافقته لمرضاة الله ولا يحزن إلا على ما فاته من الله ولا يخاف إلا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه فكله بالله وكله لله وكله مع الله وسيره دائما إلى الله قد رفع له علمه فشمر إليه وتجرد له مطلوبه فعمل عليه تناديه الحظوظ: إلي وهو يقول: إنما أريد من إذا حصل لي حصل لي كل شيء وإذا فاتني فاتني كل شيء فهو مع الله مجرد عن خلقه ومع خلقه مجرد عن نفسه ومع الأمر مجرد عن حظه أعني الحظ المزاحم للأمر وأما الحظ المعين على الأمر: فإنه لا يحطه تناوله عن مرتبته ولا يسقطه من عين ربه.
وهذا أيضا موضع غلط فيه من غلط من الشيوخ فظنوا أن إرادة الحظ نقص في الإرادة.
والتحقيق فيه: أن الحظ نوعان حظ يزاحم الأمر وحظ يؤازر الأمر فينفذه فالأول هو المذموم والثاني ممدوح وتناوله من تمام العبودية فهذا لون وهذا لون.
فصل:
قال: (وفرار خاصة الخاصة: مما دون الحق إلى الحق ثم من شهود الفرار إلى الحق ثم الفرار من شهود الفرار).
هذا على قاعدته في جعل الفناء عن الشهود غاية السالكين فيفر أولا من الخلق إلى الحق ويشهد بهذا الفرار انفراد مشهوده الذي فر إليه لكن بقيت عليه بقية وهي شهود فراره فيعدله إحساسا بالخلق فيفر ثانيا من شهود فراره فتنقطع النسب كلها بينه وبين الخلق بهذا الفرار الثاني فلا يبقى فيه بقية إلا ملاحظة فراره من شهود فراره فيفر من شهود الفرار فتنقطع حينئذ النسب كلها.
وقد تقدم الكلام على هذا وأنه ليس أعلى المقامات والرتب ولا هو غاية الكمال وأن فوقه ما هو أعلى منه مقاما وأشرف منزلا وهو أن يشهد فراره وأنه بالله من الله إلى الله فيشهد أنه فر به منه إليه ويعطي كل مشهد حقه من العبودية وهذا حال الكمل والله المستعا. اهـ.

.من الإعجاز العلمي في القرآن:

للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47]:

بقلم الدكتور: زغلول النجار:
يشيرالقرآن الكريم في عدد من آياته، الي الكون والي العديد من مكوناته (السماوات والأرض، وما بكل منهما من صور الأحياء والجمادات، والظواهر الكونية المختلفة)، وتأتي هذه الآيات في مقام الاستدلال علي طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت هذا الكون، بجميع ما فيه ومن فيه، وفي مقام الاستدلال كذلك علي أن الإله الخالق الذي أبدع هذا الكون قادر علي إفنائه، وقادر علي إعادة خلقه من جديد، وذلك في معرض محاجة الكافرين والمشركين والمتشككين، وفي إثبات الألوهية لرب العالمين بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.
وكانت دعوي الكافرين منذ الأزل، والي يوم الدين، هي محاولة إنكار قضيتي الخلق والبعث بعد الإفناء، وهما من القضايا التي لا تقع تحت الإدراك المباشر للعلماء، علي الرغم من أن الله تعالى قد أبقي لنا في أديم الأرض، وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية الملموسة ما يمكن أن يعين المتفكرين المتدبرين من بني الإنسان علي إدراك حقيقة الخلق، وحتمية الإفناء والبعث، ويبقي فهم تفاصيل ذلك في غيبة من الهداية الربانية شيئا من الضرب في الظلام، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى ردا علي الظالمين من الكافرين والمشركين والمتشككين من الجن والإنس: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} (الكهف: 51).
وفي تشجيع الإنسان علي التفكر والتدبر في خلق السماوات والأرض يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم كتابه:
{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} (آل عمران: 190- 191).
وكان لنزول هاتين الآيتين الكريمتين وما تلاهما من آيات في السورة نفسها، وقع شديد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يروي عنه أنه قال عقب الوحي بها: ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها.
وواضح الأمر في ذلك أن التفكر في خلق السماوات والأرض فريضة إسلامية لابد من قيام نفر من المسلمين بها، لأنها عبادة من أجل وأعظم العبادات لله الخالق، ووسيلة من أعظم الوسائل للتعرف علي كل من حقيقة الخلق، وحتمية الافناء وضرورة البعث، وللتأكيد علي عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وعلي تفرده بالألوهية، والربوبية، والوحدانية، فالكون الذي نحيا فيه شاسع الاتساع، دقيق البناء، محكم الحركة، منضبط في كل أمر من أموره، مبني علي وتيرة واحدة من أدق دقائقه الي أكبر وحداته، وكون هذا شأنه لا يمكن لعاقل أن يتصور أنه قد وجد بمحض المصادفة، أو أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه، بل لابد له من موجد عظيم، له من طلاقة القدرة، وكمال الحكمة، وشمول العلم ما أبدع به هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه، وهذا الخالق العظيم لاينازعه أحد في ملكه، ولا يشاركه أحد في سلطانه، لأنه رب هذا الكون ومليكه، ولا يشبهه أحد من خلقه، لأنه تعالى خالق كل شيء، وهو بالقطع فوق كل خلقه، لا يحده المكان، ولا الزمان لأنه (سبحانه) خالقهما، ولا يشكله أي من المادة أو الطاقة، لأنه تعالى مبدعهما، ولا نعرف عن ذاته العلية إلا ما عرف به نفسه بقوله عز من قائل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشوري: 11].
وقوله سبحانه مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} (الإخلاص: 1- 4).
من هنا كان التفكر في خلق السماوات والأرض مدخلا عظيما من مداخل الإيمان بالله، ولذا حض عليه القرآن الكريم، كما حضت عليه السنة النبوية المطهرة حضا كثيرا.
تأكيد القرآن الكريم علي ما في السماوات والأرض من أدلة الخلق والإفناء والبعث:
يؤكد القرآن الكريم علي ما في السماوات والأرض من الأدلة، التي تنطق بطلاقة القدرة الإلهية في خلقهما وإبداعهما، كما تنطق بحتمية إفنائهما، وإعادة خلقهما من جديد في هيئة غير التي نراهما فيها اليوم، وذلك في عدد غير قليل من الآيات التي منها قوله تعالى: {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق} (الأنعام: 73).
وقوله سبحانه: {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين} (العنكبوت: 44).
وقوله عز من قائل: {ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون} (الروم: 8).
وقوله تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} (الروم: 22).
وقوله سبحانه: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلي في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الروم: 27).
وقوله سبحانه وتعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير} (التغابن: 3).
وقوله عز من قائل: {خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار} (الزمر: 5).
وقوله سبحانه: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (غافر: 57).
وقوله تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو علي جمعهم إذا يشاء قدير} (الشوري: 29).
وقوله سبحانه وتعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الدخان: 38 و39).
تأكيد القرآن الكريم علي أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض وخالق كل شيء:
جاءت مادة خلق بمشتقاتها في القرآن الكريم مائتين وإحدي وستين (261) مرة، لتأكيد أن عملية الخلق هي عملية خاصة بالله تعالى وحده، لا يشاركه فيها أحد، ولا ينازعه عليها أحد، ولا يقدر عليها أحد غيره سبحانه وتعالى إلا بإذنه، كذلك وردت لفظة السماء في القرآن الكريم بالإفراد والجمع في ثلاثمائة وعشر (310) مواضع، منها مائة وعشرون (120) مرة بصيغة الإفراد (السماء)، ومائة وتسعون (190) مرة بصيغة الجمع (السماوات) معرفة وغير معرفة، كما وردت لفظة الأرض بمشتقاتها في أربعمائة وواحد وستين (461) موضعا، وذلك في مقامات كثيرة تؤكد أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض، وخالق كل شيء، من مثل قوله عز من قائل: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء وكيل} (الأنعام: 102).
وقوله سبحانه: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف: 54).
وقوله تعالى: {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} (يونس: 41).
وقوله سبحانه وتعالى: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (الرعد: 16).
وقوله تبارك وتعالى: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} (الفرقان: 2).
وقوله عز من قائل: {الله خالق كل شيء وهو علي كل شيء وكيل} (الزمر: 62).
وقوله سبحانه: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأني تؤفكون} (غافر: 62).
وقوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر: 49).
وقوله سبحانه وتعالى: {هو الله الخالق البارئ المصور} (الحشر: 24).
هذا، وقد أفاض القرآن الكريم في حسم قضيتي الخلق والبعث بنسبتهما الي الله تعالى وحده، وذلك لأن هاتين القضيتين كانتا من أصعب القضايا التي خاض فيها الجاحدون والمتشككون بغير علم ولا هدي عبر التاريخ، ولايزالون يستخدمون هذا الجحود والإنكار في معارضة قضية الإيمان بالله الخالق الباريء المصور، ويرد عليهم القرآن الكريم بقول الحق تبارك وتعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} (النحل: 17).
وقوله تعالى في السورة نفسها: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} (النحل: 20).
وقوله سبحانه وتعالى: {واتخذوا من دونه آلهة لا يخقون شيئا وهم يخلقون} (الفرقان: 3).
وقوله تبارك وتعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} (الطور: 35 و36).
وقوله عز من قائل: {قل هل من شركائكم من يبدأ الخق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأني تؤفكون} (يونس: 34).
وقوله تعالى: {أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك علي الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله علي كل شيء قدير} (العنكبوت: 19- 20).
موقف الحضارة الإسلامية من قضية الخلق:
بعد بعثة المصطفي صلى الله عليه وسلم انطلق المسلمون من الإيمان بحقيقة الخلق، وحتمية البعث، ليقيموا (علي أساس من تلك العقيدة الربانية الخالصة) أعظم حضارة في التاريخ، لأنها كانت الحضارة الوحيدة التي جمعت بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة، واستمرت لأكثر من عشرة قرون كاملة، تدعو الي عبادة الله تعالى بما أمر (علي التوحيد الخالص لذاته العلية، والتنزيه الكامل لأسمائه وصفاته عن الشبيه والشريك والمنازع)، والي حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض، وإقامة عدل الله فيها، علي أساس من شرعه المنزل علي خاتم أنبيائه ورسله، والذي تعهد سبحانه وتعالى بحفظه بنفس اللغة التي أنزل بها (كلمة كلمة وحرفا حرفا) فحفظ حتي لا يكون للناس علي الله حجة بعد نزول هذا الوحي الخاتم، وتعهد الله تعالى بحفظه من الضياع أو التحريف.
وبهذا الجمع المتزن بين وحي السماء والاجتهاد في كسب المعارف النافعة، حملت حضارة الإسلام مشاعل المعرفة في كل مناشط الحياة الدينية والعمرانية، وأقامت قاعدة صلبة للدين والعلم والتقنية، وآمنت بوحدة المعرفة، وبأن الحكمة هي ضالة المؤمن، أني وجدها فهو أولي الناس بها، فجمعت المعارف من مختلف مصادرها مهما تباعدت أماكنها، واختلفت الحضارات التي انبثقت عنها، ومعتقدات أصحابها، ولكنها لم تقبل تلك المعارف قبول التسليم، فقامت بغربلة تراث الإنسانية المتاح لها، بمعيار الإسلام العظيم القائم علي أساس من التوحيد الخالص لله، وذلك لتطهير هذا التراث من أدران الشرك والكفر والجحود بالله، وأضافت اليه إضافات أصيلة عديدة في كل المجالات، مما مثل القاعدة التي انطلقت منها النهضة العلمية والتقنية المعاصرة، كما يعترف بذلك عدد غير قليل من العلماء المعاصرين غربيين وشرقيين.
ولم يحل الإيمان بالغيب دون التقدم العلمي والتقني في الحضارة الإسلامية، بل حض عليه الإسلام حضا، واعتبره نمطا من أنماط عبادة الله تعالى، والتفكر في خلقه، ووسيلة منهجية لاستقراء سنن الله في الكون، وتوظيفها في عمارة الأرض، وهي من واجبات الاستخلاف في الأرض، والوجه الثاني للعبادة التي يمثل وجهها الأول عبادة الله تعالى بما أمر، واتباع سنة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
موقف الحضارة المادية المعاصرة من قضية الخلق:
انطلقت الحضارة المادية المعاصرة في الأصل من بوتقة الحضارة الإسلامية، ولكن علي مغايرة من حضارة المسلمين، فإن الغرب بني حضارته علي أساس من المادية البحتة، فنبذ الدين، ووقف موقف المنكر لقضية الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، الرافض لكل أمر غيبي، في عداء صريح، واستهجان أوضح، فتنكب الطريق، وضل ضلالا بعيدا- علي الرغم من القدر الهائل من الكشوف العلمية، والانجازات التقنية المذهلة التي حققها، والتي يمكن أن تكون سببا في دماره في غيبة الالتزام الديني والروحي والأخلاقي، وصدق الله العظيم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: